الخميس، 19 مايو 2011

هذا يوم من أيام فلسطين


عريب الرنتاوي: هذا يوم من أيام فلسطين
كان يوماً مجيداً من أيام الشعب الفلسطيني... يومٌ استلهم فيه ألوف الشباب والصبايا، الرجال والنساء، الأطفال والشيوخ، روح "ميدان التحرير" و"شارع الحبيب بورقيبة" و"ميدان التغيير" وساحات درعا وحمص، مصراتة وبنغازي واجدابيا... وزحفوا بالآلاف، غير آبهين بحقول الألغام ولا بالأسلاك الشائكة ولا بعشرات ألوف الجنود المدججين بآلة الموت والقتل، على امتداد حدود فلسطين العربية مع جوارها العربي، وعلى طول المسافة بين مدن فلسطين وقراها من جهة، وكتل الاستيطان وجدرانه الاسمنتية الباردة من جهة ثانية.

كان يوماً مجيداً من أيام شعب فلسطين، وسيكون له ما بعده... يومٌ استأنف فيه الفلسطينيون وحدتهم الوطنية...وحدة الضفة بغزة والقدس، درة العواصم العربية وتاجها...وحدة الداخل بالخارج، في ثورة على الانقسام والتقسيم...في "بروفة" للانتفاضة الثالثة، التي تقرع الأبواب بقوة، شاء منشاء وأبى من أبى، فالشعوب حين تنتفض لا تأخذ إذناً من أحد، ولا تنتظر موافقة خطية أو شفهية من حكّامها... شعب فلسطين لم يطل به المقام، حتى التحق بقطار التغيير والإصلاح الجارف، وهو يتنقل من محطة إلى أخرى، قطار التغيير الذي يستحيل اسمه إلى قطار التغيير والتحرير، حين يقترب من فلسطين ويقارب محطاتها.

ليس ما حدث بالأمس، بالأمر العابر...بل هو نقطة تحوّل في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني المعاصر يوم اكتشف الفلسطينيون "الطاقة المزلزلة" لانتفاضتهم الشعبية / السلمية...ألم تنتصر "الصدور العارية" على مخرز الأنظمة وهرواتها؟ ألم تنتصر الأكف والقبضات والسواعد، على الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الدخان المسيلة للدموع والدماء...ألم تبرهن ثورة الشعوب السلمية، بأنها قادرة على دك عروش الاستبداد والفساد في غير دولة وعاصمة عربيتين...لماذا لا نراهن على هذه "الطاقة الجبارة" لدك قلاع الاحتلال وتحطيم حصون الاستيطان...لماذا نغرق في جدل عقيم حول أشكال النضال وأدواته، فيما الدروس تترى من الشوارع العربية...وفيما درس الذكرى الثالثة والستين للنكبة، يتكشف لنا عن "الجماهير" كأهم سلاح للبناء والتحرير والتغيير الشامل...ألم ينتصر هذا السلاح على سلاح الفساد والاستبداد الشامل “Weapons of Mass  Corruption”....بعد اليوم، لا يجوز أن نختلف على أمرٍ كهذا... هذا هو شكل النضال الذي نريد...تظاهرات واعتصامات وعصيان مدني سلمي، يلحق أفدح الضرر بالاحتلال ويرفع كلفته... انتفاضة شعبية، تخرج الحراك الجماهيري من "مختبر نعلين وبلعين" إلى فضاء الوطن المحتل على اتساعه، وتجتذب إليها ملايين اللاجئين...لا نريد مقنعين ولا ملثمين... لا نريد ردودا "مزلزلة"عبر أثير الإذاعات والفضائيات... نريد رداَ شعبياً مزلزلاً كذاك الذي شهدنا في يوم النكبة، وأراهن بأن الأبواق السوداء التي طالما عملت على "شيطنة" الشعب والقضية والنضال، سوف تخرس إلى الأبد، وأن حبل النفاقالدولي سيكون قصيراً، وأن العالم سيجد نفسه إلى جانب هذه الملايين المنتفضة، ألسنا في عصر الثورات والانتفاضات الشعبية العربية، السلمية أساساً؟!

لقد عاشت إسرائيل واحداً من أبشع كوابيسها بالأمس... لقد اقشعرّت الأبدان وارتعدت الفرائص، فيما عشرات ألوف اللاجئين يلوّحون بمفاتيح منازلهم القديمة... فيما الجيل الثالث والرابع من أبناء النكبة والهجرة، يقتحمون الأسلاك الشائكة وحقول الألغام... وبعض الشبان، العشرات منهم، يمارسون حقهم في العودة إلى وطنهم، وإن لبضع ساعات فقط.. .رغم أنف الاحتلال وجيشه الذي لا يقهر، وبالضد من أسطورة تفوقه التي لا"تقاوَم".

تخيّلوا معي، لو أن حكومات "دول الطوق" سمحت لملايين الفلسطينيين بالزحف السلمي، وبصدور عارية، وأيدي لا ترفع سوى رايات فلسطين ومفاتيح البيوت القديمة وقرارات الشرعية الدولية، والاقتراب من الحدود، بل ومحاولة اجتيازها...تخيّلوا معي، لو أن ملايين العرب، من مصر والأردن وسوريا ولبنان، انضموا لقوافل العائدين سلمياً إلى وطنهم وديارهم... ما الذي كان سيحصل، وكم شهيد سيسقط، وماذا ستفعل آلة حرب الاحتلال أمام هذا الطوفان البشري... ألم يكن الأمر يستحق التجربة والمحاولة... يا إلهي، كم هي مرعوبة وخائفة هذه الأنظمة والحكومات، حتى منالمتظاهرين سلمياً؟! لقد جرى ويجري التعامل معهم بكل هذه الفظاظة، مع أن حركة هذه الجماهير، تصب في خانة حق العودة التي هي – رسمياً على الأقل – في صلب المصالح العليا لدولنا ومجتمعاتنا المحيطة بفلسطين.. يا إلهي كم هو مخجل منظر الجنود ورجال الشرطة والأمن، وهم يلاحقون المتظاهرين سليماً من أجل عودتهم إلى وطنهم... مع أن حبر الخطابات التصعيدية في قضية العودة لم يجف بعد... وأثير التصريحات المهددة والمتوعدة، لم يتبدد بعد.

ما المطلوب من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.. .إن هم صمتوا وتحدثوا عن المواطنة وحقوقها والاندماج ومقتضياته، قيل أنهم باعوا الوطن واختاروا التوطين... وإن هم انتفضوا من أجل حق العودة، و"العودة الحق"، نُظر إليهم كخارجين على القانون، يستحقون أقسى المعاملة بالهروات والشتائم التي تطال أصلهم وفصلهم وتاريخهم وشهداءهم وتضحياتهم، فضلا عن الغازات المسيّلة للدموع والدماء...ما الذي يتعين على الفلسطيني أن يفعله لكي يحظى بلقب "الفلسطيني الجيّد"... متى سيرضى هؤلاء ويقبلوا بحقيقة أن الفلسطيني مستمسك بوطنه وحقوقه، وأن إغراءات العالم بأسره، لن تثنيه عن المطالبة بالوطن والحقوق معاً... وأن الفلسطيني قد "يهدأ" قليلاً ولكنه لا يستكين ولن يرفع الراية البيضاء ولن يركع لأحد...طوبى لك يا شعب فلسطين وأنت تطلق الثورة تلو الأخرى... الانتفاضة تلو الانتفاضة...طوبى لك وأنت تلتقط الراية، راية الحرية والكرامة والتحرير والاستقلال... راية العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس...طوبى لك وأنت تقفز عن الصغائر وتدير ظهرك لبذيء الكلام والشتائم، وتيمم وجهك شطر الوطن والأرض والحقوق... والمجد لشهدائك الأبرار، ذوي القامات المتطاولة، التي لا تطالها ألسنة الأقزام من الشتّامين.

17 - 05 - 2011